-A +A
وليد احمد فتيحي
نحن أمة الغايات والوسائل، لا نقبل بطريقة أهل الانحراف في قولهم «الغاية تبرر الوسيلة»، جاء الإسلام فطهَّر لنا الغايات والوسائل.. غاياتنا سامية ووسائلنا طاهرة.. والأصل في كل أعمالنا كمسلمين هو أن نلتزم بمقاصد الشريعة وأولوياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، كل يوم نرى مخالفات صريحة في تطبيق روح هذا الشرع الجليل في حياتنا اليومية، بذرائع واهية هزيلة، حتى أصبح باب وذريعة جلب مصلحة المجتمع أو درء مفسدة عامة تبرير كل من ليس له مبرر في خرق الحقوق وانتهاكها.
وانني اتحدث اليوم عن انتهاك حُرمة السِّر في مِهْنة الطِّب وتبرير حق الاطلاع على ملف المريض وما أفشى به من سر لطبيبه.
فالسر في المهن الطبية أمر جليل مقدس في الشرع والعقل والعرف، أما في الشرع فقد أصدر المجمع الفقهي الإسلامي الدولي في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام المنعقد في تاريخ 1-7 محرم 1414هـ، الموافق 21-27 يونيو 1993م، قراراً رقم 79 (10/8) بشأن السر في مهنة الطب وقرر ما يلي:
أولاً: السر هو ما يفضي به الإنسان إلى آخر مستكتماً إياه من قبل أو من بعد، ويشمل ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان إذا كان العرف يقضي بكتمانه، كما يشمل خصوصيات الإنسان وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس.
ثانياً: السر أمانة لدى من استودع حفظه، التزاماً بما جاءت به الشريعة الإسلامية وهو ما تقضي به المروءة وآداب التعامل.
ثالثاً: الأصل حظر إفشاء السر، وإفشاؤه بدون مقتضى معتبر موجب للمؤاخذة شرعاً.
رابعاً: يتأكد واجب حفظ السر على من يعمل في المهن التي يعود الإفشاء فيها على أصل المهنة بالخلل، كالمهن الطبية، إذ يركن إلى هؤلاء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقديم العون فيفضون إليهم بكل ما يساعد على حسن أداء هذه المهام الحيوية، ومنها أسرار لا يكشفها المرء لغيرهم حتى الأقربين إليه.
خامساً: تستثنى من وجوب كتمان السر حالات يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه.
سادساً: الاستثناءات بشأن مواطن وجوب الإفشاء أو جوازه ينبغي أن ينص عليها في نظام مزاولة المهن الطبية وغيره من الأنظمة، مُوضحة ومنصوص عليها في سبيل الحصر، مع تفصيل كيفية الإفشاء، ولمن يكون، وتقوم الجهات المسؤولة بتوعية الكافة بهذه المواطن.
ومن توصيات المؤتمر «دعوة نقابات المهن الطبية ووزارات الصحة وكليات العلوم الصحية بإدراج هذا الموضوع ضمن برامج الكليات والاهتمام به وتوعية العاملين في هذا المجال بهذا الموضوع، ووضع المقررات المتعلقة به، مع الاستفادة من الأبحاث المتقدمة في هذا الموضوع».
ووافقت على ذلك الهيئة السعودية للتخصصات الطبية في المملكة العربية السعودية في باب «اخلاقيات مهنة الطب» الصفحة الثانية عشرة تحت رابعاً: حفظ سر المريض وكتمانه:
لقد أكد الإسلام على حفظ السر والسترعلى المسلم، خاصة إذا كان هذا الستر لا يجر إلى مفسدة راجحة في المجتمع، واطلاع الطبيب على أسرار المريض لا يبيح له كشف هذه الأسرار والتحدث عنها بما يؤدي إلى إفشائها إلا في الحالات الاستثنائية التالية:
1) إذا كان الإفشاء لذوي المريض أو لغيرهم مفيداً لعلاجه، أو فيه حماية للمخالطين له من الإصابة بالمرض مثل «الأمراض المعدية أو إدمان المخدرات»، وفي هذه الحالة يقتصر الإخبار على من يمكن أن يُضار.
2) إذا ترتب على الإفشاء مصلحة راجحة للمجتمع أو دفع مفسدة عنه، ويكون التبليغ للجهات الرسمية المختصة، وأمثلة ذلك ما يلي:
- الإبلاغ عن وفاة ناجمة عن حادث جنائي، أو للحيلولة دون ارتكاب جريمة.
- التبليغ عن الأمراض السارية أو المعدية.
- إذا طلب منه ذلك من جهة قضائية.
- دفع تهمة موجهة إلى الطبيب من المريض أو ذويه تتعلق بكفاءته أو كيفية ممارسته لمهنته، على أن يكون الإفشاء أمام الجهات الرسمية.
3) الإفشاء لغرض التعليم:
- يمكن لطبيب إفشاء بعض أسرار المريض إذا دعت الحاجة إلى ذلك من أجل تعليم الأطباء أو أعضاء الفريق الصحي الآخرين، على أن يقتصر ذلك لغرض التعليم فقط، وأن يحافظ على عدم إبراز ما يدل على هوية المريض وشخصيته ما لم يكن ذلك ضرورياً.
- يمكن للطبيب تصوير بعض أجزاء جسم المريض لغرض طبي أو تعليمي بعد استئذانه في ذلك، شريطة أن لا يكون في هذا التصوير ما يدل على شخصية المريض وكشف هويته، وإذا دعت الحاجة إلى تصوير الوجه لأغراض التعليم فيجب أخذ موافقة خطية، وأن تغطى العينان إلا للضرورة العلمية.
وكل ما ذكر أعلاه مُطبق في الغرب إلى أكبر حد.. فلا يجوز لشخص أو جهة «وإن كانت حكومية» الإطلاع على ملفات المريض إلاَّ بإذن من القاضي الذي يَنظر في الأمر ويُرجح المصالح والمفاسد.
ان الملف الطبي للمريض هو مستودع الأسرار التي أئتمن المريض بها الطبيب وأي اطلاع عليه أو جزء منه دون إذن المريض أو دون توفر المسوغات الشرعية من قِبل محكمة شرعية وإذن القاضي بهتك هذا الحق، هو جريمة في حق المريض والفرد والمجتمع وهي جريمة شرعية واخلاقية واجتماعية لا تغفرها المجتمعات الغربية بقوانينها الوضعية، فكيف بنا ونحن نتبع قوانين السماء والأمر الشرعي فِيها جَلي واضح بيِّن شرعاً وقانوناً وخلقاً.

طبيب استشاري، ورئيس مجلس ادارة مستشفى المركز الطبي الدولي
فاكس: 6509659
okazreaders@imc.med.sa